نافذة حرة لحوار حر

التدخل الدولي في ليبيا

التدخل الدولي في ليبيا

للتدخل الدولي اوجه عديدة، لكنها جميعا تصب في امرين، الامر الاول شخصي يتمثل في التخلص من شخصية القذافي التي سببت ازعاج للكثير من الدول وقد انتهى هذا السبب، والسبب الثاني الاطماع في موارد البلاد الواعدة (48 مليار برميل، و54 ترليون قدم مكعب من الغاز، مناجم الذهب واليورانيوم في الحدود الجنوبية)، وفي موقعها الجغرافي (2000 كيلومتر على ساحل البحر، تبعد عن اوربا 500 كم، تتوسط قارة افريقيا). وتكاد تجزم كل الدول المتدخلة في ليبيا على انها "تقف على مسافة متساوية من جميع الأطراف الليبية" وهذا امر لا يقره الواقع مطلقا.
ابواب التدخل
بعد نجاح ثورة فبراير، اتضح ان وضع البلاد يفتقد الى مؤسسات فاعلة قادرة عن المحافظة عن الدولة، يضاف لها غياب شبه كامل للوعي السياسي بسبب النظام الشمولي الذي سيطر على البلاد لما يزيد عن اربعة عقود. هذا الوضع سهل لبعض الدول ان تتدخل عبر النوافد من خلال عناصر ليبية يجمعها الطمع والشهوة في السلطة والمال.
الدول المتدخلة
مؤتمر اصدقاء ليبيا ضم، بالاضافة الى هيئة الامم والجامعة العربية والاتحاد الاوربي والناتو، ضم اربعين دولة، استضافة اجتماعه الاول الدوحة واجتماعه الثالث دولة الامارات وهدف الى اسقاط معمر القذافي ودعم المجلس الانتقالي.
الدول العربية المتدخلة ومازالت في الازمة الليبية


(1)     قطر
الدور القطري في ليبيا قديم يسبق احداث ثورة فبراير 2011، فقد ساهمت قطر بدراجات متفاوتة في ثلاثة ملفات رئيسية كانت تقلق ليبيا وترهقها في علاقاتها الدولية، وهي ملف لوكربي وملف اسلحة الدمار الشامل وملف اطفال الايدز. وقد كانت قطر عراب اعادة العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة عقب الانتهاء من قضية لوكربي، وقد اشار سيف الاسلام القذافي الى هذا الدور في احد مقابلاته الصحفية حيث قال: قطر شجعتنا على دخول “النادي الأميركي”، وهي اشارة الى الدور القطري في تفكيك البرنامج النووي الليبي من اجل رفع الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على ليبيا. وبخصوص قضية الايدز فقد شكر الرئيس ساركوزي الامير حمد على دوره في هذه القضية، كما صرح المبعوث الخاص الاوروبي السابق الى طرابلس مارك بيريني الى ان قطر قد تكون قامت بدفع التعويضات للعائلات الليبية التي اصيب ابنائها والمقدرة بحوالي 461 مليون دولار.
إبان ثورة فبراير وبعدها كان لقطر دور محوري في ليبيا على كل المستويات وجميع الاصعدة، ولا اعلم ان مسؤلا ليبيا واحدا في ثورة فبراير لم يشيد بحجم المعونات القطرية للثورة. وقد كانت قطر اهم اعضاء مؤتمر لندن الذي عقد في مارس 2011، والذي تم فيه تشكيل مجموعة الاتصال بليبيا التي عقدت اول اجتمعاتها في الدوحة، وفي ذلك الاجتماع تم الاتفاق على آلية تزويد الثوار بالاسلحة لمجابهة النظام. وقد شاركت قطر (والامارات) في العمليات العسكرية الى جانب الثوار.
لقد قادت قطر محاولة سرقة ثورة الشعب الليبي منذ البداية بدعمها للاسلامين، وشبه \ورها ب\ور ايران في لينان. كما استقال اللوء سليمان العبيدي الذي تولى رئاسة الاركان في فترة الثورة حتى نوفمبر 2011 على خلفية تدخل قطر في تعينات العسكريين في المؤسسة العسكرية. فقد تتبعت سياسة دعم فصائل اسلامية بالسلاح الذي كان يجب ان يقدم الى المجلس الانتقالي بغرض تحقيق أجندة خاصة لمرحلة ما بعد الحرب على حساب الجهود ألمبذولة لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد، وانتجت استراتيجيتها من خلال دعم أفراد وفصائل معينة المساهمة في عدم الإستقرار السياسي. ويقال عندما اجتمعت التشكيلات العسكرية المسلحة لتاسيس جيش موحد دخل عليهم عبد الحكيم بلحاج بصحبة رئيس الأركان القطري وافسد عليهم الاجتماع خشية ابعاده.

(2)    الامارات
أثار التدخل العسكري السري لدولة الإمارات العربية في ليبيا بدعم من مصر موجة من التنديدات الغربية التي شجبت ما وصفته بـ"تدخلات خارجية من شأنها تغذية الانقسامات في ليبيا". وكشفت صحيفة نيويورك تايمز أن الغارات الأولى جرت قبل أسبوع في طرابلس واستهدفت مواقع للميليشيات ومستودع أسلحة موقعة ستة قتلى، فيما تمّ تنفيذ سلسلة ثانية من الضربات الجوية في الساعات الأولى من يوم السبت (23 أغسطس / آب 2014) استهدفت منصات صواريخ وآليات عسكرية ومستودعا جنوب العاصمة. وذكرت الصحيفة أن الإمارات استخدمت مقاتلاتها ومعداتها لشن الغارات فيما قدمت مصر قواعدها الجوية. في المقابل، أكد مسؤول أمريكي رفيع المستوى لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ما ورد في تقرير "نيويورك تايمز"، مضيفا أن بلاده لم تكن على علم بهذه"الغارات" و"فوجئت" بها.
بيد أن هشام جابر، عميد ركن سابق في الجيش اللبناني ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات شكك في حوار مع DWعربية في هذه الرواية قائلا: "لم تكن الإمارات لتتدخل في ليبيا لو لم يكن هناك تنسيق أو توجيهات من الولايات المتحدة، فالإمارات ليست من دول الجوار الليبي، والمسافة بعيدة بين البلدين. كما أن الإمارات لم يسبق أن قامت في الماضي بعمليات عسكرية من هذا النوع". وأكدت واشنطن تنفيذ الإمارات لهذه الغارات. وكانت العواصم الغربية واضحة في شجبها للتدخل الخارجي في ليبيا، فقد دانت واشنطن وباريس ولندن وبرلين وروما هذا التدخل منتقدة في الوقت نفسه "تصعيد المعارك والعنف" في بلد تسوده الفوضى منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي. 
لا يقتصر التدخل الإماراتي في ليبيا على الدعم العسكري واللوجستي، بل وصل إلى الوجود المباشر، فشيدت قواعد لقواتها التي تضرب أهدافا لحكومة الوفاق الليبية، مما يدفع مراقبين للبحث عن تفاصيل الوجود العسكري الإماراتي هناك.

(3)    السعودية
"سلمان الأنصاري"، مؤسس لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية، لـ"المونيتور"، إن المملكة "قلقة بالتأكيد للغاية بشأن التدخل التركي في شؤون الدول العربية"، وأشار إلى أن قوات "حفتر" تسيطر على "أكثر من 90% من الأراضي الليبية، ويدعمه أعضاء البرلمان المنتخب ديمقراطيا". هذا التصريح يختلف تماما على ما أشار اليه عادل الجبير بأن الرياض تقف على نفس المسافة من الصراع وتتواضل مع اطرافه لاجاد تسوية سلمية للازمة.
ايضا، حمدان الشهري"، المحلل الجيوسياسي من الرياض، لـ "المونيتور"، إن السعودية تعتبر قرار "حفتر" بطلب المساعدة من الدول العربية، مثل السعودية ومصر والإمارات، موقفا إيجابيا في مواجهة الدعم الذي  يحظى به "السراج" من "دولة غير عربية.
الطابع العسكري الداعم للصراع تجلت مضاهره في العديد من المواقف التي كشفتها الايام، فصحيفة "لوموند" الفرنسية، ، اعلنت إن السعودية مولت عمليات نفذها مرتزقة شركة "فاجنر" الروسية في ليبيا. وكشفت مصادر ليبية ومصرية عن وصول أول دفعة من السلاح المموّل سعودياً، إلى شرق ليبيا تحت إشراف مصري. وتأتي هذه الدفعة ضمن تعهدات من قِبل محمد بن سلمان لخليفة حفتر، في إطار دعمه في معركتة العسكرية بهدف السيطرة على العاصمة طرابلس الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق الليبية.
وكشفت المصادر أن السعودية هي من موّلت اتفاقاً جرى بين "حفتر" والأردن لشراء 6 طائرات مسيّرة صينية الصنع، وذلك خلافا لما ذكرته تقارير إخبارية دولية أن الإمارات هي من مولت تلك الصفقة بين عمّان وقائد ميليشيات شرق ليبيا.
وبحسب المصادر، فإن المساعدات السعودية "تضمّنت أموالاً سائلة لحفتر"، لدفع رواتب المقاتلين الأجانب الذين ينشطون في صفوف ميليشياته، لضمان الاستقرار داخلها، وذلك بعدما تسبّب تأخر حصول عدد من المقاتلين التشاديين في حالات تمرد بمحاور القتال في الفترة الماضية. كما دعت وثيقة منسوبة إلى هيئة الاستخبارات السعودية، الرئاسة العامة للإفتاء في المملكة، بتركيز فتاواهم على دعم ما سمتها القوات المسلحة الليبية والقيادة العامة للجيش، الذي يقوده الجنرال حفتر. ودعت الوثيقة، الإفتاء، إلى دعوة الشباب للانضمام للجيش العربي، وتقديم الدعم الفكري والديني والعقائدي لمواجهة ما وصفه بالإرهاب.


(4)    مصر
اطماع مصر في ليبيا قديمة تعود الى حقبة قبل الاستقلال. فأول امين عام للجامعة العربية السيد عبد الرحمن عزام طالب أن تكون برقة تحت السيادة أو الوصاية المصرية. ومع عام الثورات ظهرت أصوت في مصر  تطالب “بحقوق” تاريخية لمصر في برقة التي تتمتع “بثروات هائلة” تفوق احتياجات سكانها، وهذا الأمر أعلن عنه محمد حسنين هيكل المعروف بصلته بالمجلس العسكري الذى حكم مصر في تلك الفترة. ففي تصريحات هيكل قال: ” فى ليبيا هناك مشكلة كبيرة جداً أتمنى أن يتنبه لها الجيش فى مصر، وقال إن برقة “الغنية بالنفط” تابعة للأراضي المصرية وعليها المطالبة به، ووجود جماعة متطرفة بالقرب من مصر يشكل خطر عليها. وقال رئيس الحكومة الليبية وقتها “لم نكترث بالتصريحات باعتبارها صادرة عن شخص لا يمثل إلا نفسه”.
هذه التصريحات تؤكد المطامع المصرية في اقليم برقة، وهي إمتداد لمطامع سابقة فى بترولها إبان حكم انور السادات والذي كان يعد لحملة عسكرية لإحتلال برقة وضمها، لكن نظراً لقوة السلاح الليبي وطبيعة نظام القذافي، وأيضاً ضعف موقف مصر العربي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والاعتراض الامريكي، وقفت جميعها امام مطامح انور السادات عند حدها.
تتابعت الدعوات في الإعلام المصري الذي يعتبر الناطق الرسمي لمؤسسة الحكم، هذه الدعوات تسوق لـ”الحقوق” التاريخية لمصر وحق مصر في الاستفادة من ثروات الشرق الليبي. فقد استدعت الخارجية الليبية السفير المصري في طرابلس على خلفية تصريحات نسبت الى الدكتور هشام قنديل رئيس وزراء حكومة مرسي الاخوانية حول حقوق مصر في بعض الاراضي الليبية. المطالبات لا تتوقف، فقد كتب رئيس تحرير جريدة الاهالي المصرية في جريدته مقال يطالب فيه حكومة السيسي باستعادة واحة الجغبوب “المسروقة”(!!!…) على حد تعبيره.
الامر لا يتوقف عند الصحفيين والاعلاميين بل يتعداه الى مستويات اعلى (!!..)، دعنا ننظر ونتأمل فيما يقوله هرم السلطة بالخصوص. في خطاب مسجل للسيسي يقول: “في الظروف الاقتصادية الصعبة ديه…. كان ممكن نفكر في افكار شريرة …. افكار شريرة … او افكار حتى كثير من السياسيين بيفكروا فيها والقيادات بتع الدول بتفكر فيها … يقوم يقفز على بلد ياخد خيرها. يقفز على بلد ياخد ايه؟ خيرها !!!. كان ممكن اوي، والظروف كلها كانت سانحة ومازالت … نقوم نحنا نعتدي على دولة، أو (!!!)… نثأر بقى لقتلانا في سرت الـ 21 مصري اللي اندبحوا دول … خلاص بقى ده تهديد للامن القومي. وده ارهاب وهو ده الارهاب وداعش موجودة وكل حاجة.” تحليل هذا الخطاب يشير الى امكانية التعلل بعذر الارهاب والامن القومي لغزو الجيران. ورغم ان الخطاب يحمل الكثير من العواطف والوعظ في بقيته، الا ان تنفيد التهديد في وجود الدوافع والاسباب يجعله قابل للتحقيق. مصر تعيش ازمة اقتصادية خانقة، وتضخم في عدد السكان تعجز الدولة عن خلق مشروع انمائي يحتويهم، ومشاكل كثيرة داخلية لا تستطيع تجاوزها. لذلك، فإن هذه الازمة تكفي لان تكون دافع للتدخل وتصدير المشاكل للخارج. وعدم استقرار ليبيا، والانقسام السياسي، والفوضى الامنية فيها، ووجود التيارات المتطرفة، واتساع رقعتها الجغرافيا، وتدني الكثافة السكانية، وامكانياتها الاقتصادية يوفر الاسباب. وتصبح المطالبات المصرية بضم برقة امر يتسم بالجدية، ويجب ان يؤخد على محمل الجد في وجود هذه الدوافع وهذه الاسباب.


(5)     الجامعة العربية
الجامعة العربية، ككل المؤسسات الدولية، تقع تحت هيمنة مجموعة من الدول بسبب نفودها العسكري او الاقتصادي. لذلك لا تساهم الجامعة في حل مشاكل اعضائها الا بما يتوافق مع المتنفدين فيها. وخلال الحرب على طرابلس تقدمت حكومة الوفاق بطلب من الجامعة لعقد جلسة لادانة اعتداء حفتر على العاصمة، الا ان الاعضاء المؤيدن لحفتر الذين لا يتجاوز 5 اعضاء من 22 عضو لم يسمح بعقد هذه الجلسة، مما جعل العديد من الليبين يطالبون بالانسحاب من عضوية الجامعة. 


(6)    ازدواجية المبرارت
التدخل في ليبيا يتقاطع لكن يختلف عن التدخل في اليمن، ذلك ان اول المبرارت وهو مواجهة تدخلات الدول الغير عربية، لكن في حين ان هذه الدول المتدخلة تساند حكومة عبد الهادي الشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي، لكنها تتدخل في ليبيا ضد الحكومة المعترف بها دوليا لمساندة رجلها في ليبيا.

 

بقلم الباحث السياسي الليبي: د.أحمد معيوف

ورقة مقدمة لديوان لندن - ورشة تدخلات الأنظمة الخليجية في الدول العربية.